زوجتي العزيزة .. مضى وقتٌ طويل منذ أن تحدثنا، قرابة الأسبوعين ، الكثير حصلَ في هذه الأسبوعين ، هذه الأسبوعين كانت أكثر من مجرّد اسبوعين، كبرتُ فيها أكثرَ من أسبوعين ، كبرتُ أكثرَ من أربعةَ عشر يوماً، لقد كبرتُ بما يقارب الأربعةَ عشرَ سنة ، في هذه الأسبوعين كانت هناك الكثير من الضغوطات ، الكثير من الخيبآت، الكثير من الآلآم، الكثير من الآحلام التي كنتُ أظنها أحلام حتى كشفت عن نفسِها وظهرت إليّ بكوابيس الماضي، الكثير من الكثير حصلَ في هذه الأسبوعين ، أتعلمين أيضاً ياعزيزتي أن شعري بدأ يتلونُ بالبياضِ قليلاً رأيت هذا بالأمس عندما كنت أرتدي ثيابي أمام المرآة ولاحظتُ شيئاً أبيضاً عالقاً على شعري فحاولتُ نزعه ولكنني اكتشفت بعدها أنها شعرة بيضاء قد زَرعت جُذورها في رأسي، كبرتُ كثيراً ياعزيزتي .. كبرتُ لدرجةِ أنني عاتبتُ أبي بالأمس لحملِه بعضاً من الصناديق التي قد آلمت ظهره وتحدثت إليه بعتابٍ كما لو أنه ابني أو صديقي المقرب..
الكثير من الضغوطات في هذه الفترة من حياتي، الكل ينتظر مني الكثير، أشعر أن الجميع يحدّقون بي منتظرين ماذا سأكون؟ وماذا سأغدو؟ الجميع وضعوا آمالهم على ذلك الفتى المطيع الذي يعتقدون أنه سيصبح له شأنٌ في المستقبل، أخشى أن أخيّب آمالهم، فأنا دائماً ما أقول لنفسي كلما كانت هناك آمالٌ كبيرة كانت هناك خيبآت أكبر، فأنا لا أريد أن أكون خيبةً كبيرة ياعزيزتي..
الآلآم وما أدرى أحداً مالآلآم ، الآلآم كان لها الجزء الأكبر من هذي الأسبوعين، أتعلمين عندما يحصلُ أمراً ما يُمزّقك من الداخل والكل يعتبرُ هذا الأمر طبيعي وإنه أمرٌ تقليدي ولكنّه يعذبك من الداخل ولا تُظهر ذلك أبداً ولا يَظهر ذلك حتى على مُحيّاك، فدائماً ماكنتُ ماهراً بفصلِ البراكين والأعاصير التي تحدث بداخلي عن تعابير وجهي وسطحي الخارجي، ولا يسألك أحدٌ إن كنتَ بخير أو لا ؛لأنك مُبتسم فإذاً ليس هناك حاجةً للسؤال!
تذكرتُ عبارةً استوقفتني يوماً : "من سيصدّق الخراب الذي بداخلك وأنت تبتسم طوال اليوم؟!" في الحقيقة لا أحتاج أحداً أن يسألني إن كنتُ بخير أو لا ؛ فسوف يتلقون نفس الإجابة بكل الأحوال، ودائماً ماكنت أتغلّب على كل شيءٍ لوحدي وتعوّدت على ذلك ..
لا أعلم قد أكونُ أُبالغ بعض الشيء لربما كان هذا الأمر طبيعياً فعلاً وإنني أنا أشعرُ بالأشياءِ زيادةً عن اللزوم، تذكرت رسالةَ جورج برناردشو إلى كشاريل قبل وفاته : " عزيزتي كشاريل .. العالم مكانٌ قاسي جداً على الذين يشعرون كل شيء بكل قوة، على الذين لا يعرفون كيفية التخلّي، والذين لا يعرفون كيفية النوم ليلاً أثرَ خيباتِ الصباح، الذين يملّون من كل شيء إلا من الشيء الوحيد الذي يملّ منهم كل مرةٍ في النهاية…" فعلاً العالم مكان قاسي جداً لهؤلاء الذين يشعرون كل شيءٍ بقوّة ..
لا أعلم قد نكون نحن من هؤلاء ولكن لسنا ممن يظهرونها عامةً للناس، فنحنُ دائماً ما نحب أن نؤلف أجمل القصص قبل النوم لننام، وغالباً لا تكون هذه القصص جميلةً بعض الشيء .. غالباً مايحملها الكثير من الدراما والعاطفة ولكنّها فقط في منامِنا .. فنحن نحب قصص الدراما ولكنّنا لا نُمارسها رغم أنها تحدث حولنا يومياً والكل يمارسها بكثرة ولا تستهوينا لأنها تجلب الكثير من المتاعب ونحن غنيُّون عنها .. نحب الهدوء وبنفس الوقت تراودنا أياماً نحبّذُ الصخبَ فيها، نحب الاستقرار، نحب الملل، في الحقيقة نعشقُ الملل نتذمر منه يومياً لكننا نعشقه وهو يعشقنا بالمقابل، نكره الناس، ليس جميعهم ، فقط بعضهم ، القليل منهم ، القليل الكثير، نكره الإزدحام، منعزلين بعض الشيء عن كل شيء، ونتجنب كل شيء ولا يعجبنا أي شيء، نُمقت التصنُّع، آه كم نُمقت التصنُّع والمتصنّعين، نُحب إسعاد الناس حتى إن كان ذلك على حِسابنا، فنحن دائماً مانُضحي للناس ولا نجد مقابل ولا نبحث عنه ..
زوجتي العزيزة، أعلمُ أن هذه الرسالة مفاجِئة بعض الشيء ولكنني اضطررت أن أكتب وأطلق كل تلك البراكين والأعاصير المختزنة وهذه ليست المرة الأولى التي أكتبُ فيها، فدائماً ما أكتب ؛ولكن هذه المرة الوحيدة التي أحتاجُ فيها لأحدٍ أن يقرأ، أحتاج لأحدٍ أن يشاهد البراكين وهي تخرج من فُوهتِها .. أحتاجُ لأحدٍ أن يشاهد الأعاصير وهي تخرج من وسط البحار الراكدة .. فدائماً ما يكون خلف كل شيء، شيء عكسه تماماً..
زوجتي العزيزة، أخبريني .. كيف حالُك؟ كيفَ هيَ أيّامُك؟ وهل تحقّقت أحلامُك؟